يعتبر معبر كسب الحدودي المعبرَ الوحيد الذي يصل تركيا بمناطق سيطرة النظام السوري، ويقع بين بلدة ييلاداغي (Yayladağı) الواقعة في ولاية هاطاي التركية، وبلدة كسب الواقعة في ريف مدينة اللاذقية في سوريا. وقد أغلق الجانب التركي المعبرَ مع بداية الثورة السورية في عام 2011، لكن الحركة عادت إليه في العام 2020 مع إعلان برنامج العودة الطوعية للاجئين السوريين في تركيا، والسماح للراغبين بالعودة بالعبور منه إلى مناطق سيطرة النظام. وشهد المعبر خلال السنة الأخيرة إقبالاً متزايداً وعودةً يوميةً للأسر، وهو مقتصر في عمله على الراغبين بالعودة النهائية إلى سوريا، ولا يُسمح لأي شخص آخر بالتنقّل من خلاله.
ويجب أن تتوفر شروط عديدة في الراغبين بالعودة الطوعية من خلال معبر كسب، وذلك بحسب ما أكده لنا أحد العاملين على الجانب التركي الذي فضل عدم ذكر اسمه، أبرزها أن يكون الخروج ضمن ما يعرف بـ«العودة الطوعية»، سواءً ممن يحملون بطاقة الحماية المؤقتة أم لا، وتعتبر الإجراءات من الجانب التركي بسيطة: ملء استمارة «العودة الطوعية» وأخذ البصمات ومن ثم تصوير الأشخاص، وبعدها يُسمَح لهم بالخروج إلى الجانب السوري. وقد أدى زلزال 6 شباط (فبراير) الذي ضرب سوريا وتركيا دوراً في ازدياد أعداد العائدين، وإثر ذلك تم افتتاح شعبة لإدارة الهجرة من المعبر بهدف تسريع العملية.
الجانب السوري
أبو سعيد، أحد العائدين مع أسرته نحو مدينته حلب، بقي لسنوات في مدينة إسطنبول وقرر العودة عقب التشديد الأمني الذي تشهده تركيا مؤخراً، لا سيّما وأن بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة به صادرة عن ولاية بورصا، وخوفاً من ترحيله نحو مدينة إدلب، اختارَ العودة عبر معبر كسب لأنه يملك منزلاً في مدينة حلب.
يعتبر أبو سعيد أن الوضع الأمني بات أفضل، وأن العيش في تركيا أصبح صعباً في ظل هذه الظروف، ويتحدث للجمهورية.نت عن الإجراءات التي تتم من الجانب السوري: «البداية كانت بعد قطع الجانب التركي والدخول إلى مكتب الهجرة في الجهة السورية، حيث يبدأ التحقيق مع الأشخاص عن سبب الخروج إلى تركيا والطريق الذي خرجوا من خلاله، وفيما إذا كان طريقاً نظامياً أم عبر التهريب، والسؤال عن أفراد الأسرة، الإخوة والوالدين والأولاد، وعن مكان تواجده في تركيا طيلة سنوات إقامته هناك». ويضيف أبو سعيد أن هناك المزيد من الأسئلة التي تُطرح بحسب كل شخص وكل حالة، ولا يمكن عبور الشخص المطلوب من قبل النظام، و«يتم اعتقاله على الفور من نقطة التحقيق». بعد انتهاء التحقيق الأول يقوم المسؤولون في الهجرة بأخذ مئة دولار عن كل شخص تجاوز عمره الثمانية عشر عاماً، ويستبدلونها لأصحابها بالليرة السورية بموجب سعر صرف البنك المركزي، وذلك «لدعم الاقتصاد السوري» بحسب تبرير المسؤولين في المعبر.
أما المرحلة الثانية، فهي الانتقال إلى المكتب التابع للأمن السياسي، وهناك أيضاً يتم التحقُّق من بعض الأمور بحسب أبو سعيد، الذي نوّه إلى أن معظم العائدين يأخذون احتياطاتهم من هذه العملية عبر البحث في سوريا عن طريق مسؤولين في أفرع الأمن، والتأكُّد فيما إذا كانوا مطلوبين أو لديهم مشاكل أمنية قبل الدخول إلى المعبر، ويجب على المتخلّف عن الخدمة العسكرية دفع بدل الخدمة، وبالتالي تصبح فرصة اعتقاله أقل، معتبراً أن هناك أسباباً إضافية للاعتقال تتعلق بأجوبة كل شخص خلال التحقيق.
والمرحلة الأخيرة تكون في الجمارك، حيث يتم تفتيش العائدين إلى سوريا تفتيشاً دقيقاً وكذلك تفتيش أمتعتهم، إذ يُسمح للعائدين باصطحاب كل ما يرغبون به من أشياء خاصة بهم، كالملابس والأدوات المنزلية والأدوات الكهربائية الصغيرة القابلة للحمل.
شروط العودة
بحسب المصادر المتواجدة في المعبر على الجانب التركي، فإن هناك شروطاً إضافية عديدة لمن يرغب بالدخول من كسب، أبرزها أن يحمل الأطفال المولودون في تركيا شهادة ولادة صادرة عن النفوس التركية أو بطاقة حماية مؤقتة. ويمنع عبور الأشخاص حاملي الإقامة سارية المفعول في تركيا، أما حملة الجنسيات التركية (السوريون المجنسون) فيُمنعون من الدخول من الطرف التركي، لكن يسمح لهم بالعودة إلى تركيا من المعبر في حال دخلوا إلى سوريا عبر لبنان. أما حملة باقي الجنسيات فممنوعون من الدخول والخروج من هذا المعبر بشكل قاطع.
كذلك فإن الأم التي ترغب بالعودة مع أطفالها ممن هم دون الثمانية عشر عاماً بمفردها، تحتاج إلى موافقة من الأب، ويجب أن تكون مترجمة وموثّقة من الجانب التركي، والأمر نفسه في حال كان الأب من يريد العودة دون الأم، كما يُمنع عبور الأطفال من دون مرافق.
ويعمل المعبر بشكل يومي من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة عصراً، بما في ذلك يوما السبت والأحد، لكنّ الشخص الذي لا يملك قيداً في تركيا وليس لديه بصمة لجوء ولا يملك بطاقة حماية مؤقتة لا يستطيع العودة يومي السبت والأحد، ويجب أن يعود ضمن أيام الدوام بسبب حاجته إلى إجراءات إضافية.
استغلال للعائدين من قبل الشبيحة
إن أكبر مشكلة يعاني منها اللاجئون الذين قرروا العودة من تركيا إلى مناطق سيطرة النظام عبر معبر كسب هي استغلال شبيحة النظام لهم، من خلال استخدام أساليب متنوعة من الابتزاز والتهديد بالاعتقال، فرغم التدقيق الأمني الكبير والتحقيق معهم داخل المعبر واعتقال الأشخاص المطلوبين للجهات الأمنية لدى النظام مباشرةً، تقوم الحواجز الأمنية بعد الخروج من المعبر والسير عدة كيلومترات بإيقاف القادمين لتدقيق أوراقهم وتفتيشهم وفرض الأتاوات عليهم قبل السماح لهم بالعبور، حيث يوجد ثلاثة حواجز متتالية بعد المعبر مباشرة، كل حاجز منهم يتبع لجهة مختلفة من مجموعات الشبيحة (غالبيتهم من الدفاع الوطني)، وكل حاجز يتقاضى مبلغاً معيناً عن كل فرد يريد العبور، وهذا أمر يعرفه القادمون ويحضّرون الأموال لذلك قبل بداية الرحلة.
أوضحت هدى، وهي سيدة ستينية قررت العودة مع ابنتها نحو مدينتها حمص بعد وقوع الزلزال في تركيا وفقدان زوجها، أن أي قادم يحتاج إلى شخص ينتظره على الطرف السوري لاستلامه، ويجب أن يكون قريباً من الدرجة الأولى؛ أب أو ابن أو أخ، وإن لم يكن هناك من يساعد في هذا الأمر فسوف يتعرّض العائد للاستغلال من قبل الشبيحة، منوهةً إلى أن مكتب الهجرة يسأل عن الشخص المكلّف بالاستقبال على الجانب السوري، حيث يستغل السائقون المتعاونون مع الحواجز، وهم شبيحة ومسلحون أيضاً، عدم وجود قريب من الدرجة الأولى، ويمنعون الأشخاص من طلب وانتظار أحد الأقرباء، ويطلبون منهم المغادرة بسرعة بحجة أن الانتظار ممنوع «بأمر من المعلم»، حيث يلبي الأشخاص هذا الأمر خوفاً من الشبيحة، لتبدأ بعدها رحلة ترهيب المسافر المتبقي وحيداً بين أيديهم، إذ يطلبون منه مبالغ مالية كبيرة لإيصاله نحو مدينته، ويقومون بجمع الناس وإرسالهم في باصات موحّدة على الرغم من أنهم يجبِرون كل شخص على دفع أجرة تكسي خاص، والجميع يُذعن ويدفع ما يطلبونه من أموال بسبب الخوف: «هؤلاء الشبيحة تابعون للدفاع الوطني، ويعتبرون كل العائدين من تركيا ‘خائنين للوطن’ ويجب معاقبتهم واستغلالهم بأكبر قدر ممكن»، تقول هدى التي تتذكر أسماء بعضهم مثل «أبو وطن وأبو سمير وأبو جراح»، وتضيف أنهم يضعون حججاً كثيرة للحصول على الأموال، منها «أن الشخص الذي عاد للتو مطلوب وهناك أوامر باعتقاله ويجب عليه أن يدفع هذا المبلغ مقابل مساعدته على النجاة، وأن هذا المبلغ سوف سيذهب لأشخاص آخرين سيدفعونه بدورهم ‘للمعلم’، وهكذا حتى يكسبوا أكبر قدر ممكن من الأموال».
إقبال على المعبر
يشهد معبر كسب إقبالاً على عودة الأسر نحو سوريا، وبحسب المصادر من المعبر ذاته، فإن بداية الأسبوع هي الأكثر ازدحاماً، أي أيام الإثنين والثلاثاء، بمعدل تقريبي يصل إلى مئة شخص يومياً، ويقل العدد مع اقتراب نهاية الأسبوع. وبيّنت المصادر أن القسم الأكبر منهم يعودون نحو مدينة حلب.
ويشهد المعبر في الوقت الحالي ازدحاماً كبيراً وتزايداً مطّرداً في أعداد العائدين، خصوصاً بعد وقوع أحداث مدينة قيصري العنصرية في الأسبوع الأول من شهر تموز (يوليو).
هناك أسباب كثيرة أخرى تدفع اللاجئين لترك تركيا، فقد أوضح عددٌ من الذين قرروا العودة أن أبرزها هي التضييق على اللاجئين والقرارات التي تتغير بين الحين والآخر، خاصة تلك المتعلقة بالعيش في مكان استصدار بطاقة الحماية المؤقتة، إضافة إلى حملات الترحيل التي تطال المخالفين ممن لا يملكون أوراق رسمية أو حتى قيود، والخوف من إعادة الأسر بشكل إجباري نحو مدينة إدلب، في حين أنهم ينحدرون أو يملكون منازل في مدن أخرى وليس لديهم أقارب أو معارف في إدلب، ما يدفعهم لاتخاذ قرار العودة إلى مدنهم ومنازلهم، فضلاً عن غلاء المعيشة المتعاظم في تركيا والانهيار الاقتصادي وارتفاع إيجارات المنازل التي فاقت قدرة الأسر على تأمينها، وعجز الشخص الواحد رغم العمل لساعات طويلة عن تأمين كافة احتياجات المنزل. وصرّح بعضهم أن هناك عشرات الأسر التي تعود بسبب قرار الزوج السفر إلى أوروبا، حيث تعود زوجته وأطفاله إلى سوريا للعيش مع أقاربهم بانتظار لم الشمل عن طريق سفارات الدول الأوروبية في لبنان أو مصر أو الأردن.
كذلك تلعب العنصرية دوراً كبيراً في هذا الخيار، إضافةً إلى الأكواد التي يتم وضعها على اللاجئين بشكل مفاجئ، وهي أكواد ترحيل أو وسم بتهم مختلفة، وهي أيضاً تدفعهم لتسليم بطاقة الحماية المؤقتة بدلاً من الترحيل إلى إدلب أو السجن. ويوجد عشرات النساء اللواتي يعُدن مع أطفالهن بسبب حالات الطلاق، فتقرر المرأة العودة إلى أهلها بدلاً من البقاء وحيدةً في تركيا، وخصوصاً في ظل هذا الغلاء.
مجموعات لتبادل المعلومات
تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعض المجموعات والغرف الخاصة بالمعبر، والتي تحمل اسمه، ويتبادل فيها الراغبون بالعودة المعلومات ويطرحون تساؤلاتهم حول التكاليف والشروط وأوقات الدوام وغيرها، ويتم الإجابة من أصحاب المعلومات أو التجربة، حيث يساعد هذا الأمر في تسهيل عملية العبور، كما يشكل عاملاً هاماً في تشجيع اللاجئين على العودة بحسب ما أكد أحد المشاركين فيها للجمهورية.نت، والذي بيّن أن عبور الأشخاص بسلام ووجود معلومات كافية حول الطريق وطريقة التعامل يشجع اللاجئين ممن لديهم نية للعبور من كسب على تسريع الأمر، منوهاً إلى أن هذه المجموعات تطرح مختلف العثرات وتقترح حلولاً لها بحسب خبرة كل شخص مَرّ بموقف مشابه.
شرح المشارك أيضاً أن هناك الكثيرين ممن لاقوا مصير الاعتقال لأسباب عديدة تم النشر عن بعضها في هذه المجموعات، وبذلك يتراجع مَن لديه وضع مشابه عن قرار العودة. كما تُساعد هذه المجموعات في معرفة مصير المفقودين على المعبر أو مَن انقطع التواصل معهم أثناء العودة، فضلاً عن الأمر الذي يُسأل عنه بكثرة، وهو مقدار ما يُسمح للشخص بأخذه معه من أموال وذهب، والذي أيضاً من الممكن أن يُعرّض حياة العائد للخطر بسبب الطمع و«التشبيح» عليه، حيث توضع بعض التوصيات والحلول الممكنة والمعلومات وتُشارَك كافة التجارب، وبذلك يصبح اللاجئ الراغب بالعودة على معرفة ودراية بكافة التفاصيل، وبطريقة التصرُّف الصحيحة التي تضمن سلامته، وهي في معظمها مجموعات خاصة لا تنشر المعلومات على العام للحفاظ على سلامة المشاركين فيها وخصوصيتهم في حال رغبوا بمشاركة أي تجربة، وخصوصاً مَن وصَل منهم إلى سوريا.
وكانت وسائل إعلامٍ تركية نقلت عن مسؤولين أتراك بأن عدد اللاجئين السوريين الذي عادوا إلى بلادهم بشكل طوعي حتى الآن بلغ 554.609، ويشمل هذا الرقم العائدين من معبر كسب الحدودي نحو مناطق سيطرة النظام السوري، إلا أن العدد الأكبر يعود لأولئك الذين رُحّلوا قسراً إلى الشمال السوري بعد أن أُجبروا على توقيع أوراق العودة الطوعية.