لا تعرفُ أعدادٌ كبيرة من اليافعين واليافعات الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و20 سنة عن سوريا غيرَ ما تفتّحت عيونهم عليه، من حربٍ وفقر وسوء في الأحوال المعيشية وتدهور لجودة التعليم. إنها بحق سنوات من الضياع يقضي فيها كثيرون منهم حياتهم في الشوارع أو في محلات الألعاب الإلكترونية أو في الحدائق العامة، بعدما أن تسرّبَ كثيرون من المدارس، وبدأ العديد منهم التدخين في سنٍّ مبكرة جداً وصولاً إلى أنواع عديدة من الإدمان، وأحياناً إلى مآلات أسوأ كالتورط في شبكات الجريمة وتعريض حياتهم للخطر.
مراهقون ومراهقات بلا مدارس
فَرضتْ سنوات الحرب وما رافقها من تبعات ونزوح واقعاً معيشياً واجتماعياً واقتصادياً صعباً، ظهر تأثيره بشكل واضح على جيل اليافعين الذين ربما يكونون قد دفعوا الفاتورة الأغلى في هذه الحرب. في آخر تقرير نشرته منظمة اليونيسف بتاريخ 15 آذار (مارس) 2024 تحت عنوان: «بعد 13 عاماً من النزاع في سورية، أصبح عددُ الأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية ولفرصة، أكبر من أي وقت مضى»، تقول المديرة الإقليمية لليونيسف أديل خضر: «الواقع المحزن هو أن العديد من الأطفال في سوريا اليوم، وفي الأيام المقبلة، سيحتفلون بعيد ميلادهم الثالث عشر، ويصبحون يافعين، مع العلم أن طفولتهم بأكملها حتى الآن قد اتسمت بالنزاع والنزوح والحرمان». جاء في التقرير أن ما يقرب من نصف الأطفال في سن الدراسة خارجَ المدرسة، وهؤلاء هم الذين يقول عنهم وزير التربية السابق في حكومة النظام دارم طباع: «للأسف كثيرٌ منهم أيتامُ حرب، ومقيمون في الشوارع، وهناك من يستغلّهم ويُشغّلهم، ولا يمكننا تتبع الموضوع كوزارة».
وقد أدّى تردي الوضع الاقتصادي في سوريا إلى ازدياد نسب التسرّب من المدارس، والاتجاه إلى سوق العمل مبكراً جداً أو التشرد في الشوارع والوقوع ضحية الاستغلال في شبكات الجريمة والتسوّل. الأطفالُ الذين لا يذهبون إلى المدارس سوف يتواجدون في أماكن أخرى لا تتناسب مع طفولتهم، وهذا ما يحدث بالفعل، وحتى أولئك الذين يذهبون إلى المدارس يمكن الوقوف مطولاً عند سؤال: كيف يقضون أوقاتهم داخل المدارس وخارجها؟
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
مع التطور الكبير في السنوات الماضية لوسائل التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع، يعيش المراهقون في سورية صراعاً من نوع آخر، وهو المقارنة بين حياتهم اليومية وحياة أولئك المراهقين الذين يرونهم في بلدان أخرى، إن كان عبر الأعمال الدرامية، خاصةً تلك المترجمة أو المدبلجة من دول حول العالم، أو مقاطع الفيديو التي تنتشر بشكل كبير عبر مختلف المنصّات، بما فيها من حياة هادئة أو حتى مُترَفة، خاصة في المناسبات أو السفر وقضاء العطلات في أماكن متعددة، ليدخلوا في مقارنات بينهم وبين أولئك الناس من حيث اللباس والمظهر الخارجي، وهي من الأمور التي تشغل بال المراهقين كثيراً.
تحولت هذه المتابعة اليومية إلى نوع من الإدمان لدى كثيرين وكثيرات، لكن انعكاسها كان سلبياً إلى درجة كبيرة من حيث الشعور بالوحدة وعدم الثقة بالنفس وصولاً للإحباط والكآبة. تُولِّدُ هذه المشاعر ردود فعل لدى كثير من المراهقين والمراهقات في سوريا، الذين يتحوّل بعضهم إلى أشخاص عدوانيين ناقمين على كلّ شيء في هذا العالم.
مراهقون في عصابات
لعلَّ بحثاً بسيطاً في صفحة وزارة الداخلية السورية على موقع فيسبوك سيشكل صدمةً لأي متابع، وذلك من خلال عشرات المنشورات اليومية التي تتحدث عن كل أشكال الجرائم المرتكبة، من قتل وسلب وسرقة وخطف وعصابات وتحرّش، لنجدَ أن معظم الجناة والضحايا من المراهقين.
نشرت صحيفة تشرين الرسمية عنواناً عن عصابات من المراهقين في عين منين، وهي منطقة قريبة جداً من العاصمة دمشق، تقول فيه إن «عصابات المراهقين» في تلك المنطقة أصبحت ظاهرة مقلقة. لكن هذه الظاهرة أصبحت في الواقع عامة في مختلف المحافظات والمناطق السورية، حيث نسمع يومياً عن مجموعات من المراهقين تُمارس أنواعاً من الجرائم. ويبقى السؤال: لماذا سلك المراهقون هذا الاتجاه وما الذي دفعهم لتشكيل هذه العصابات وما الغاية منها؟
قبلَ العوامل النفسية التي ذكرناها، فإن هناك عوامل أخرى دفعت هؤلاء المراهقين إلى هذا الواقع، أهمها طبعاً العامل الاقتصادي. تُعاني العائلات السورية من وضع اقتصادي مُتردٍّ، خاصة أولئك الذين هُجِّروا من بيوتهم واضطروا للعيش في بيوت مستأجرة باتت تستنزف كل ما يملكون من مال أو ما يمكنهم الحصول عليه، أو الأسر التي فقدت معيلها لأسباب مختلفة، وحتى الذين بقوا في بيوتهم وبوجود المعيل-ة إلا أن الإنفاق اليومي بات أكبر من قدرة أي رب-ة أسرة على إعالة أسرته-ا.
يقول رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، باولو بينيرو، في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: «يواجه السوريون صعوبات متزايدة لا يمكن تحملها، حيث يحتاج نحو 17 مليوناً منهم إلى مساعدات إنسانية مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية». المراهقون بطبيعة الحال في غالبيتهم لا تعنيهم هذه الظروف، ما يعنيهم أكثر هو حاجتهم للمال لشراء الثياب وموبايل حديث، وربما الهدايا بين الشباب والفتيات، والخروج مع أصدقائهم-نّ لقضاء الوقت في أماكن مختلفة، إن كان في صالات الألعاب أو الحدائق أو المطاعم أو أماكن السهر. هذا طبيعي جداً بين المراهقين، وهذه الحاجات التي لا يمكن تلبيتها بسهولة تدفع كثيرين منهم إلى البحث عن موارد أو بدائل.
المخدرات المتاحة للجميع بسبب توافرها وسعرها المنخفض واحدة من هذه البدائل، وبات من الطبيعي رؤية الشبّان يتعاطون المواد المخدرة في الشوارع والمدارس. يقول البعض إن علبة الحبوب المخدرة من نوع «بوغابلين» كانت تُباع قبل عامين بسعر زهيد هو 5 آلاف ليرة فقط، وهو ما أسهم في إدمان العشرات من الشبان المراهقين خاصة في المرحلتين الإعدادية والثانوية. يستغرب الناس في أحاديثهم هنا في دمشق «كيف يُفلت المروجون من يد الأجهزة الأمنية، بل إنهم حتى لا يتعرضون للكثير من المضايقات»، في حين يذهب آخرون ممّن تحدثتُ إليهم للقول «إن الأجهزة الأمنية هي من تساعدهم بل وتؤمِّنُ لهم هذه المواد. وقد بات العالم أجمع يعرف أن سورية من أكثر الدول صناعة وتصديراً للمواد المخدرة، وأنها باتت تشكل خطراً على دول الجوار والمنطقة برمتها».
يحتاج الإدمان على المواد المخدرة مورداً مالياً إضافياً، يدفع كثيرين من المراهقين بدوره للتورط في شبكات الجريمة.
إلى سوق العمل مبكراً
بينما وجد مراهقون أنفسهم ضحية شبكات جريمة، يذهب آخرون إلى ترك المدرسة والاتجاه لسوق العمل. وقد باتت مألوفةً في دمشق مشاهد أطفال يعملون في الشوارع والمحلات، يقفون على البسطات ويجرّون العربات، خاصة الذين يشترون أو يلتقطون المواد المستعملة أو الخردة لإعادة تدويرها، وهي الظاهرة الأكثر انتشاراً بين الأطفال والمراهقين، حيث نشاهد المئات منهم يومياً يجوبون الشوارع بالعربات أو يحملون الأكياس على ظهورهم ويتنقلون بين حاويات القمامة لالتقاط أي شيء يمكن أن يُباع ويُشكَّل لهم ولأُسَرهم دخلاً.
بلاي ستيشن
تكثر في دمشق وخاصة في الأحياء الشعبية محلّات الألعاب للشباب والمراهقين وحتى الأطفال، مثل لعبة البلياردو ولعبة الفيشة، إلا أن السنوات الماضية شهدت افتتاح العديد من محلات الألعاب الإلكترونية.
عشرات الشبان والمراهقين يَصِلون الليل بالنهار في هذه المحلات، ولا يمكن أن تمرّ من أمام أحد هذه المحلات وفي أي وقت من أوقات اليوم ليلاً ونهاراً دون أن تلفت نظرك أعداد الشباب المتواجدين بداخله بأصواتهم العالية. لم يكن لديَّ الفضول أبداً للدخول إلى أحد هذه المحلات، بل إني أتجنب المرور من أمامها في معظم الأحيان، ولكن أثناء إعداد هذا التقرير توجهت إلى أحد تلك المحلات، مع عشرات الأسئلة التي كانت تدور في ذهني. عدد كبير من الشاشات أمامها ألعاب البلاي ستيشن، وبرّادٌ للمشروبات وعددٌ من الأراكيل وموسيقى صاخبة يصل صوتها إلى الخارج، وعدد كبير من الأطفال والمراهقين منهم من يجلس ويلعب ومنهم من يقف مُتفرِّجاً ومُشجِّعاً.
«- يعطيك العافية معلم.
– الله يعافيك.
– لإيمت بتضلوا فاتحين؟
– منفتح 7 الصبح ومنضل تقريباً للساعة 2 بالليل.
– ليش عطول في عالم بتلعب؟
– تقريباً أي.
– ومنشان الكهربا؟
– مافي مشكلة، ركَّبنا طاقة شمسية وخلصنا من قصة الكهربا.
– كيف الواحد بيدفع وقديش؟
– أنت أول مرة بتفوت على محل؟
– إي والله
– حسب شو بدك تلعب!
– بصراحة أنا ما بدي ألعب! بس عم أعمل دراسة وحابب أعرف الشباب والأولاد كيف عايشين؟ وشو عم يصرفو؟ ووين عم يقضو وقتهم؟ إذا ما عندك مشكلة؟
– لا أبداً. في بلياردو وفي ألعاب إلكترونية. البلياردو الدور بخمسة آلاف.
– قديه مدة الدور؟
– والله حسب اللاعبين، ممكن يخلص بدقيقة وممكن يضل نص ساعة.
– والألعاب الإلكترونية؟
– كل لعبة إلها سعر.. في كتير ألعاب، بس أكتر شي كرة القدم، الدور بثلاثة آلاف مدته تقريباً عشر دقايق. وفي لعبة كرة قدم بالسيارات اسمها روكت ليغ كمان الدور بثلاثة آلاف. لعبة الكونتر قديمة بس مشهورة ولهلق شغّالة، الدور بخمسة آلاف مدته 25 دقيقة، وفي كذا لعبة قتال وسباق سيارات وهيك شي. لسا في ألعاب العالم الافتراضي، هي بدها نضارات خاصة بتوصل الساعة لخمسين ألف، أنا ما عندي منها بس في كتير محلات عندها. وكمان في محلات عندها بلايستيشن 5، أسعارها أغلى بكتير لأنه أنا عندي بلايستيشن 4. هي ما حكينا على الدوريات اللي بيعملوها الشباب بين بعضهن، بالبلياردو وبالألعاب بيعملوا دوريات وتحديات بين بعض، أحياناً الفريق بكون 3 أو 4، وكل فريق بيدفع 50 ألف، والفريق اللي بيربح بياخد كل المصاري. طبعاً غير إنه في كتير شباب بيلعبوا بين بعضهن على مصاري، بصراحة نحن ما منتدخل بينهن، بس منشوفهن ومناخد بس أجار اللعب.
– طيب الولاد من وين بجيبوا مصاري حتى يلعبو؟ يعني بتعرف الأوضاع كتير صعبة على كل الناس هالأيام.
– والله نحن ما منسأل، مالنا علاقة، بس أغلب الولاد هون تاركين المدارس وبيشتغلوا، وفي منهن بياخدوا من أهلهن. في ولد أبوه متوفي يا سيدي كل يوم بيصرف لحاله شي 300 ألف، قال قرايبينه برا البلد بيبعتولو، وفي ولد تاني متله كمان كل يوم شي 200 أو 300 ألف بس هاد أبوه عايش ما بعرف شو بيشتغل، بس حامل موبايلين آيفون، وأغلب رفقاته بيلعبوا على حسابه».
عند خروجي من المحل قال لي أحد الشبان الواقفين عند الباب: «معلم هاد المحل بيربح كل يوم فوق المليون من ورا الولاد».
عنف ومشاجرات أيضاً
خرجتُ من المحل وكان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، الكهرباء مقطوعة والشارع مظلم. عند زاوية أحد الشوارع الفرعية يجلس مجموعة من الشبان والفتيات، أعمارهم-ن لا تتجاوز 16 عاماً، أصواتهم وضحكاتهم عالية. أكثر ما شدّ انتباهي أن جميعهم تقريباً كان يحمل في يده سيجارة وفي الأخرى موبايل، يلتقطون الصور ويستمعون إلى الأغاني بصوتٍ عالٍ. أحد الشبان كان واقفاً يحمل بيده السكين المعروف باسم «الموس الكبّاس»، وهي سكين مع نهاية خشبية قابلة للطي، كان يفتحها ويُغلقها بتباهٍ أمام البقية.
هذه المشاهد باتت مألوفة في كل الأوقات وفي مختلف الأماكن والطرقات، في الحدائق العامة والمقاهي والأسواق، في الشوارع الرئيسية أو الفرعية، بوجود الناس أو بدونهم، عند أبواب المدارس أثناء دخول الطلاب وخروجهم. وقد تتطور هذه التجمعات إلى أعمال عنف ومشاجرات، وقد ضجّت وسائل الإعلام ومواقع التواصل وفي أكثر من مناسبة بحوادث اعتداء بين طلاب وطالبات المدارس، أفضت في حالات كثيرة إلى التسبب بأذى جسدي ونفسي كبير على بعض الطالبات والطلاب المعتدى عليهم-نّ، وفي بعض الأحيان إلى سجن الطلاب والطالبات المُعتديات.
دائماً ما تسمع الناس يتمتمون بعد هذه المشاجرات: «هدول الولاد لو عندهن أهل يضبوهن ما كانوا عملوا يلي عم يعملوه». بالفعل معظم هؤلاء الشباب والفتيات فقدوا أولياء أمورهم من الآباء أو الأمهات أو الإخوة، منهم من توفي أو اعتُقل أو سافر خارج البلد أو يخدم في جيش النظام منذ سنوات، أو يعمل طوال اليوم من الصباح حتى المساء بحثاً عن لقمة عيش لا تكفيه وأسرته، ولا يدري عن أولاده شيئاً.
إدمان الهواتف الذكية
ويبقى الإدمان الأصعب والأخطر والأوسع انتشاراً هو إدمان الموبايلات والألواح الذكية، وما يرتبط بها من ألعاب. ربما يكون انتشارها ظاهرة في كل دول العالم، لكنه في سورية تجاوز الانتشار أو الظاهرة. يقضي مراهقون كثيرون عدة أيام متواصلة وهم يلعبون ألعاب الموبايل المشهورة مثل ببجي وفري فير وفورت نايت وماين كرافت وأونر أوف كينجز، وطبعاً كرة القدم على اختلاف مسمياتها. أسوأ ما في الموضوع أن هذه الألعاب تشغل بال الجميع على اختلاف أعمارهم وأوضاعهم ومشاغلهم، تجد معظم الشباب والأطفال، وحتى بعض الأكبر سنّاً، يحملون موبايلاتهم طوال الوقت وكأنهم في عالم آخر لا يشعرون بما يجري حولهم. الخطورة الأكبر تقع على المراهقين الذين لا يعرفون قيمة الوقت الذي يهدرونه من حياتهم وهم يقضون كل وقتهم في هذه الألعاب، ولا الأموال التي ينفقونها، بداية بجهاز الموبايل الذي يُفترض أن يكون من أحدث الأجهزة حتى يتلاءم مع هذه الألعاب وتَطوُّرها المستمر، وليس انتهاءً بالأموال التي يُنفقونها على تطوير هذه الألعاب. تقول لي إحدى السيدات إن ابنها لا ينفكّ يطلب المال منها بأرقام تصل إلى عشرات الآلاف يومياً حتى يُطوِّرَ اللعبة، التي لا تعرفُ ما هي بل تعرفُ فقط أنها لعبة على الموبايل، وهي تجد نفسها مُجبَرة على تلبية رغباته خوفاً من أن يأخذ المال من البيت دون علمها، أو ربما من مكان آخر.
أسعار الموبايلات الحديثة في سورية اليوم باتت بالملايين، خاصةً بعد رفع سعر «جمركة الموبايل» كما يسميها النظام، والتي باتت أعلى من سعر الموبايل نفسه، ويجد معظم الأهالي أنفسهم عاجزين عن تلبية احتياجات أبنائهم وبناتهم، لكنهم في الوقت ذاته مجبرون على تلبيتها خشية من ذهابهم-نّ في دروب لا تُحمد عقباها، فيستدينون المال أو يشترون بالتقسيط جهاز موبايل يَهدرُ ابنهم أو ابنتهم وقته-ا في اللعب عليه. يقول أحد الآباء إنه لا مشكلة لديه، يكفي أن ابنه يجلس أمام عينيه ويلعب بالموبايل، أفضل من أن يكون في مكان لا يعرف أين، أو مع رفاق لا يعرف من هم وماذا يفعلون.
ولا يقتصر الإدمان على الموبايل من أجل الألعاب فقط، فقد باتت مواقع السوشيال ميديا جزءاً من حياة المراهقين، وقادَ سوءُ الوضع الاقتصادي والمعيشي عدداً ليس بالقليل من الشباب والفتيات، وخاصةً المراهقين، نحو البحث عن كسب المال عن طريق الإنترنت. وتتنوع مصادر الحصول على المال من الإنترنت، منهم من يتجه نحو المنصات المعروفة مثل اليوتيوب أو فيسبوك وهي الأكثر انتشاراً في سورية، أو التيكتوك وهو أقل انتشاراً بسبب حظره في سورية، ويتم تصوير مقاطع فيديو بغضِّ النظر عن محتواها وتحميلها على هذه المواقع، أملاً بالحصول على مشاهدات وكسب المال، في حين يذهب آخرون باتجاه المنصّات التي تعتمد على البث المباشر لساعات طويلة.
أية حلول بديلة؟!
أن تجد العائلة مصادر دخل معقولة في هذه الظروف القاسية هو أمرٌ يحمي أبناءها وبناتها من مخاطر كثيرة، لكنه لا يقدّم حلاً مُستداماً في آفاق مسدودة وأوضاع تعليمية واجتماعية متردية، وفي مدينة ليس فيها مساحات كافية لاستيعاب حاجات المراهقين والمراهقات حتى لو توفّر المال لدى عائلاتهم.
على هذا لا يبقى من حلول أمام كثيرين وكثيرات من المراهقين وذويهم سوى التخطيط للسفر، ولكنه ليس أمراً يسيراً أبداً. يشعر الجميع بانسداد الأفق في وجههم، ويتفاقم هذا الشعور لدى المراهقين والشباب على اعتبار أن المستقبل ما زال أمامهم، وهو ما يشعر أغلبهم-نّ أنه من الصعب التفكير فيه والتقدُّم نحوه داخل البلد في ظروفه الراهنة.
بالرغم من كل ما سبق الحديث عنه، تفعل عائلات كثيرة كل ما في وسعها لحماية أبنائها وبناتها وتأمين ظروف معقولة لهم بعيداً عن كل ما ذُكر من معوقات، ويبذل كثيرٌ من الشباب والشابات طاقتهم للتغلب على ظروفهم الصعبة، دفاعاً عن الأمل بحياة أفضل وآفاقٍ أكثر اتّساعاً.