يوثّق كتاب عدالة المكان للباحثة سلمى كريم تفاصيلَ التهجير القسري من الغوطة الغربية، من وجهة نظر ست نساءٍ هُجِّرنَ قسراً من الزبداني ومضايا وداريّا. تروي النساء الست تجربتهنّ الشخصية منذ نشأتهنّ في منازلهنّ الأصلية حتى يوم التهجير القسري، الذي لم يكنَّ يتوقعنَ حدوثه في يوم من الأيام. الكتاب هو الأول من بين سلسلة كتب ستصدر بالعنوان ذاته عن منظمة «النساء الآن»، وتغطي شهادات نساء هُجِّرنَ قسراً من ريف دمشق بعد العام 2011.

تروي النساء المتحدثات مراحلَ التهجير القسري التي عِشنها، وكذلك ما سبقه وما جاء بعده. معظمهنَّ خُضنَ مراحل التهجير منذ البدايات، عندما فَرضت عليهنَّ الاقتحامات المتتالية لقوات النظام وحلفائه الانتقال من منازلهن الأصلية إلى منازل أخرى أكثر أمناً، لتكون هذه أولى عمليات التهجير التي عِشنها. تتمثل أهمية هذا الكتاب في الإضاءة على ملف التهجير خارج أطر مقاربات التوثيق التي تؤدي إلى رسم صورة تتسم بالـ«التجريد والترقيم والتجميع للضحايا». هـنّ لسـنَ أرقاماً، ولا مجموعات من الأفراد المتشابهين، ولكل واحدة منهنّ حكايتها الخاصة التي ترويها. إنهنّ يُعِدنَ السرد والتذكُّر الكفيليَن بـ«أنسنة الأرقام والملفات».

تأريخ شفهي للنساء السوريات   

تشكّل سرديات الرجال عن السياسة والاقتصاد والثقافة، وما إلى ذلك من المحطات الهامة في تاريخ سوريا المعاصر، جزءاً كبيراً من الذاكرة العامة والجمعية، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على المناهج الدراسية التي تغيب عنها تجارب النساء، وهو ما يؤكد أن التأريخ الشفهي كان مرتبطاً بتجارب الرجال إلى حدٍّ بعيد. ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية السورية في منتصف مارس (آذار) 2011، برز دور التأريخ الشفهي القائم على توثيق شهادات النساء، والذي يستمدُّ منهجيته من الأنثروبولوجيا النسوية التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي.

وتأتي أهمية توثيق شهادات النساء في حالات النزاع المسلح، بحسب الباحثة سلمى كريم كما أوردت في الكتاب، من دوره في «توضيح الانتهاكات وآثارها من منظور جندري، وبالتالي يساهم في أن تُبنى العدالة من هذا المنظور أيضاً». غالباً ما يغيبُ في النزاعات المسلحة ذكرُ النساء وأدوارهنّ وأفعالهنّ في الأخبار المكتوبة والمرئية، وبقدر أكبر يبدأ التركيز على دور الرجال في هذا النزاع، وفيما تبدأ المساحات العامة التي كانت تشغلها النساء بالانحسار، تكون النساء، كما الأطفال، الفئات الأكثر تَعرُّضاً للانتهاكات الإنسانية. 

تُوصف عملية التأريخ الشفهي بأنها نمط قديم للتوثيق يسبق الكتابة، وقد تطورت أساليب التوثيق مع تطور التكنولوجيا الحديثة. تصفه المتخصصتان بالتأريخ الشفهي، إمي ستاريتشيسكي وسارة ك.لوس، بأنه «شكل من أشكال التواصل وأسلوب الخطاب، هو في الأساس فعل سردي». لقد تحوّل التأريخ الشفهي إلى أداة سياسية – اجتماعية مع ظهور الحركات الاجتماعية المرتبطة بالليبرالية الجديدة في الولايات المتحدة في منتصف السبعينيات، مما أسّس لظهور مشروع «التاريخ الشفهي للمرأة السوداء» في الفترة ذاتها، ومن بعده أصبح نهجاً معتمداً لدى الحركات النسوية.

تؤكد الناشطة الأميركية شيرنا بيرغر غلاك على أهمية التأريخ الشفهي للنساء بقولها: «يجب ألا نستسلم للاعتقاد بأن مجرد القيام بهذا النوع من العمل (التأريخ الشفهي) من المُرجّح أن يؤدي إلى تحول اجتماعي، ولكن لا ينبغي لنا أن نستسلم لشكوك الباحث والباحثة من خلال التقليل من المساهمة القوية التي يقدمها التأريخ الشفهي». Writing groups, «Beyond Women’s Words Feminisms and the Practices of Oral History in the Twenty-First Century», 2018. بهذه الطريقة يمكننا قراءة أهمية التأريخ الشفهي للنساء السوريات، فالشهادات التي يضمها الكتاب فيها الكثير من المشاعر المتناقضة، لكنها قاسية أيضاً. هي شهادات عن الفقدان، الخوف والألم، والأحلام الضائعة، كلها الآن أصبحت جزءاً من الذاكرة الاجتماعية للحرب في سوريا ستتناقلها الأجيال. 

تقدم هذه الشهادات صورةً أوسع بشأن آليات التفاوض التي كانت النساء تخوضها لتسيير شؤون الحياة تحت الحصار، وتكشف عن ديناميكيات السلطة والقوة المعقّدة. إنها وجهات نظر مختلفة التفاصيل، مرتبطة بالأماكن، الأحلام، والأهداف. إنها شهادات تؤسس لبناء ذاكرة اجتماعية – تاريخية تستند إلى رواية النساء، وتعكس وجهة نظرهنّ الشخصية بشأن التحوّل المعقّد في السياقات والتفاعلات الاجتماعية – المادية – الثقافية في تلك الفترة.  

لماذا عدالة المكان؟

ركّزت السياسات النيوليبرالية المرتبطة بالعولمة في أدبياتها على فكرة عدم الانتماء إلى مكان محدد، أي أن الناس ليسوا بحاجة للانتماء إلى مجتمع يعيش ويتفاعل على أرضه الأصلية، لكن هذه الأدبيات من وجهة نظر كريم «تنزع عن هذه المفاهيم (المكان، الوطن، والبيت) سياقات وتفاصيل مهمة مثل أن الشخص هو أو هي من تستطيع فقط أن تقرر إحساسها بالمكان أو على الأقل اختياره»، إذ أنه لا يمكن إجبار الفئات المستبعدة بالقوة عن أماكنها على قبول استبدال تلك الأماكن بأخرى، ولا يجب أن يكون هناك سياسة تفرض عليهم كذلك.

ترى المتخصصتان في علم النفس الاجتماعي، كيارا روليرو ونورما دي بيكولي، أنه يمكن فهم الارتباط بالمكان من «المعنى الأعمق لتجربة العلاقات المحلية الوثيقة مع الناس، وبالتالي، إلى أماكن التفاعل العلائقي»، حيث يشكل هذا «التفاعل العلائقي أساس المفهوم»، فهو ينقلُ التركيز على الارتباط بالمكان من البيئة المادية إلى البيئة الاجتماعية، كما أنهنّ يعتبرنَ أن «الارتباط بالمجتمع العلائقي أعلى بين النساء بسبب دورهنّ الاجتماعي: فمسؤولية رعاية الأطفال وإدارة المنزل تربطهنّ بالتفاعل المحلي». Rollero Chiara, De Piccoli Norma, Place Attachment, Identification and Environment Perception: An Empirical Study, 2009.

هناك وجهة نظر أخرى بشأن الارتباط بالمكان يطرحها، بول مورغان، والذي يُحيل الارتباط بالمكان إلى الجانب العاطفي، ويتخذ تعريفاً مختلفاً للمكان بإشارته إلى أن كلمة «مكان» مثل «عاطفة» لهما «صفة سهلة الفهم ويصعب تعريفها»، كما أن الارتباط العاطفي بالمكان طويل الأمد يزداد مع التقدّم بالعمر. فالارتباط القوي بالمكان «لا يكون ممكناً إلا عندما يبقى الأفراد في موطنهم الأصلي طوال فترة الطفولة»، حيثُ يلعب العمر دوراً مهماً في الارتباط بالمكان، وأيضاً هوية المكان.

يدفع الارتباط بالمكان والهوية الناسَ إلى التماهي مع أراضيهم، وفقاً لتعبير المتخصص بدراسات اللجوء غايم كيبرياب، وذلك نتيجة «الفرصة التي يحصلون عليها فيما يتعلّق بحقوق الوصول إلى الموارد والحماية بحكم كونهم أعضاء أو مواطنين ومواطنات في تلك المنطقة». هنا نعود إلى البيئة المادية التي لها تأثيرها القوي أيضاً على الارتباط بالمكان، وافتقاد المهجّرات والمهجرين قسرياً لها في أماكنهم الجديدة، وهو ما أكدته شهادات النساء في الكتاب بإجماعهنّ على عدم الشعور بالراحة في أماكنهنّ الجديدة.

يقودنا ما سبق إلى مفهوم «عدالة المكان» الذي تقوم سلمى كريم بالتأسيس له، وهي تأتي بهذا المفهوم لتُظهِرَ عمق جريمة التهجير القسري، وإجبار الناس على ترك الأماكن، وعدم السماح لهم بالعودة إليها. إذ تُقدم هذه الشهادات صورة أكبر تعكس «صعوبة وتعقيد مفهوم العدالة المتعلّق بهذه الجريمة وهذا الانتهاك، وأهمية كتابة ومشاركة من تعرضنَ لهذه الجريمة والانتهاك لتعريفهنّ مفهوم العدالة».

يضم الكتاب مقاربة نسوية بشأن ارتباط النساء السوريات بالأماكن، يطرحها أنس تللو، وتقوم هذه المقاربة على اقتصار حدود غالبية النساء السوريات على «الحيز الخاص» دون أن تمتد إلى «الحيز العام»، مما جعل علاقتهنّ بالمكان مرتبطة بالبيت والأسرة، وهي علاقة تستحق البحث أكثر فيها، نظراً لمساهمتها في «تحوّل الأدوار الجندرية للنساء وتحوّل شكل علاقتهنّ مع الحيّزين الخاص والعام». من هنا يمكننا القول إن القيمة الخاصة لـ«عدالة المكان» تأتي بالإضافة التي يمثلها للتأريخ الشفهي النسوي السوري بتوثيقه أحداثاً وقعت «في حيوات النساء لن يسجلها غيرهنّ». 

تاريخ لن تكتبه وتسرده إلّا النساء

تعكس كل شهادة شخصية صاحبتها، وطبيعة حياتها الاجتماعية منذ نشأتها في منطقتها، حيثُ تكشف عن علاقات القوة القائمة على أساس النوع الاجتماعي، وكيف كان للعادات والتقاليد دورٌ في التأثير على أحلامهن ومستقبلهنّ العلمي، ثم ينتقلنَ للحديث عن التغيير الذي طرأ على هذه العلاقات بعد العام 2011، ومن ثم التغيير الآخر المرتبط بالتهجير القسري، وكيفية تفاعلهنّ مع الظروف المكانية المتغيّرة باستمرار، حيثُ تسرد جميع النساء اللواتي قدمنّ شهاداتهنّ في «عدالة المكان» ظروف تنقلاتهنّ المتكررة بين مكان وآخر قبل وبعد التهجير القسري.

تحمل الشهادات مشاعر ألفة النساء مع منازلهنّ أو منازل عائلاتهنّ، فجميعهنّ كن يتشاركنَ بطرق مختلفة المشاعر نفسها تجاه أماكنهنّ الخاصة، وحالات الفقد التي عِشنَها أو فُرضت عليهنّ. هناك لحظات قاسية في الكتاب. تنقل كريم هذه المشاعر إلى القراء والقارئات في الكتاب بالإشارة إلى الفعل أو المشاعر التي تُظهرها النساء في أثناء تسجيل الشهادات، مثل «تنهيدة» أو «صمت»، هذه المشاعر المختلطة تُظهر ارتباط ذاكرتهنّ الاجتماعية بالمكان و/أو البيت و/أو الأرض.

لقد أصبحت علاقة النساء مع المكان بعد التهجير القسري مرتبطة أكثر بالذاكرة. تتضمن كل شهادة من الشهادات مجموعة صور فوتوغرافية توثق أنهنّ كنّ يعشنَ هنا، أن حياتهنّ كلها كانت في هذا المنزل. تُظهِرُ معظم الصور المناظر الطبيعية التي كانت تحيط بمنازلهنّ، وتكشف عن الحميمية التي كُنَّ يشعرنَ بها داخل المنازل، فقد ركزنَ جميعهنّ في الشهادات على سرد علاقتهن الشخصية مع المكان، والمحيط الاجتماعي الذي كان داعماً لهنّ. 

نشاهد في عدالة المكان رسومات تجريدية نفذها المصمم «نوح»، والتي كانت مستوحاة من قصة الشخصية نفسها. على سبيل المثال لا الحصر، يظهر في رسم تجريدي ضابط ضخم يجلس مُحاطاً بحارسَين ضخمين وينظر إلى أشخاص ضعاف البنية ومقهورين يجلسون ويقفون متباعدين على رقعة شطرنج، بينما يوجد أشخاص آخرون مجتمعين أمام الضابط ينتظرون الخروج من الزبداني، يمثل هذا الرسم تصوراً لحال الأشخاص الذين كانوا محاصرين في الزبداني، حيثُ صوّرت نسرين العبد الله في شهادتها أن المحاصرات والمحاصرين في تلك الفترة كانوا مثل «قطع الشطرنج» بأيدي الفصائل المسلحة، تقول: «كنّا دروعاً بشرية».

تُبيّن قصة نسرين (38 عاماً)، كيف أن النساء خضنَ متغيرات كثيرة كان لها الأثر الواضح على حيواتهنّ في المستقبل، فهي مُدرِّسة وأم لطفلين، زوجة شهيد ومتزوجة حالياً، من مهجرات الزبداني اللواتي استقررنَ مع عائلاتهنّ في عفرين، كان حلمها إتقان سبع لغات قبل بلوغها سن الـ40. تروي نسرين في شهادتها كيف حُرمت أن تودع حتى كتبها في اليوم الأخير لها في الزبداني، واقتصر وداعها لوالدها على النظرات، تقول: «هذا ما أسميته [التهجير الأساسي]، أن تتركي أرضاً عشتِ فيها كل شيء، أن تتركي قبر أمك وزوجك». 

أثّرت المواقف التي خاضتها فيروز (28 عاماً)، وهي مهجّرة من مضايا، على تجربتها الشخصية بقوة، فقد جعلتها هذه التجربة تتحوّل إلى «امرأة واثقة من نفسها». لقد واجهت الكثير من العقبات التي ترويها في شهادتها، من الاعتقال إلى الإصابة برصاصة قناص، ثم عقد قرانها تحت الحصار، ومنعها من إكمال تعليمها؛ تقول: «حرمني النظام السوري من إكمال تعليمي وكذلك فعلت الهيئة (تحرير الشام)». يختصر ما سبق جزءاً بسيطاً من السيرة الشخصية لفيروز، وهي مثال للنساء اللواتي تغيّرت حياتهنّ مع ظهور قوى جديدة تتصارع على أرض الواقع؛ زوجها ملاحق من هيئة تحرير الشام، وشقيقها معتقل في سجونهم. تختلف رؤية فيروز للعدالة عن غيرها، فهي بالنسبة لها «أن نعود إلى أرضنا، أن يتغير النظام السياسي، ويتعاقب رؤوسه، ألا نخاف من أي ملاحقات أمنية. ولكن، هل سيتحقق ذلك؟».

تزوجت الدمشقية في سن الـ17 عاماً، كان ذلك قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية بوقت طويل، لكنها عادت بعد 17 عاماً لتحصل على شهادة البكالوريا، وأصبحت طالبة أدب إنكليزي في سن الـ35. تتحدث عن مشاعرها عندما قررت الانتقال إلى لبنان لأول مرة، قبل التهجير القسري بنحو ثلاثة أعوام، تقول: «كنت أذهب إلى لبنان كسائحة، أما الآن، ماذا أنا؟ نازحة؟ لاجئة؟ وإلى متى؟». استقرّت الدمشقية مع عائلتها في لبنان منذ ذلك الحين، واستطاعت مع زوجها شراء محضر أرض بوكالة عامة لبناء منزلهم الخاص، ومع ذلك لا تشعر بالانتماء لهذا المنزل «لا أشعر بالانتماء إلى منطقة أو إلى لبنان، ولا أدري لو سافرت إلى أوروبا إن كنت سأشعر بأي انتماء». 

تشبه قصة شعاع الأمل (56 عاماً) قصص النسبة الأكبر من النساء السوريات اللاتي كنَّ ربات بيوتهنّ. تُحدثنا كيف حقق زوجها حلمها عندما بنى لها بيت أحلامها في الزبداني. تحدثنا عن غرفة المؤونة التي «كانت أشبه بدكان صغير». فجأة تحولت كل تلك الألفة التي حظيت بها في منزلها الخاص إلى كوابيس بعد حملات المداهمة والاعتقال والقصف التي كانت تتعرض لها الزبداني. تسرد لنا شعاع الأمل كيف كانت نظرات سكان بلودان تجاه عائلات الزبداني القادمين إليها «عدائية» خوفاً من أن تستهدفهم قوات النظام. هو تفصيل صغير تحدثت عنه جميع النساء اللواتي عشنَ في بلودان في تلك الفترة. الآن، وبعد أن استقرّت مع عائلتها في لبنان، إذا سألتها عن رأيها بالعدالة ستقول: «قد تكون العدالة السماوية هي العدالة الحقيقية».

تحتوي قصة ياسمين شربجي (34 عاماً) على نوع من النوستاليجيا الخاصة التي تذكّرنا بالنشاط المدني قبل ظهور الفصائل المسلحة، هي ناشطة مهجّرة من داريا، تحمل شهادتين جامعيتين، وتقيم حالياً في ألمانيا، قُتل والدها في المعتقل، وشقيقها معتقل في سجون النظام منذ سنوات. تروي ياسمين كيف ساعدتها والدتها على تقوية شخصيتها، وعدم تقبّل العادات والمفاهيم المتحجّرة في العائلة والمجتمع: «بدأت أحس بالظلم الواقع على النساء في عائلتي، وشجعتني أمي على ألا أقبل الظلم، بل أحاور وأناقش». المميز في سيرة ياسمين أنها من الأشخاص القلائل الذين شهدوا محاكمة العقيد السوري السابق، أنور رسلان، في مدينة كوبلنز الألمانية. عندما تسألها عن العدالة التي تريدها، تجيب: «هي أن أرتاح بعد كل هذا التعب».

وُلِدتْ وعاشتْ سمية الخولاني (27 عاماً) في منطقة الخولاني في داريا، والمنطقة مسماة بهذا الاسم نسبة لأجدادها. لم تستطع إكمال دراستها في مجال علم الأحياء بسبب حصار قوات النظام لدرايّا، لكنها تدرس الآن الإلهيات في جامعة الأناضول. تتحدث سمية عن المشاعر التي سادت سكان داريّا بعد المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام في عام 2012، تخبرنا أن الكثير من الضحايا كنّ من النساء «لكن مجتمع داريا محافظ، ولم يتم ذكر العديد من المجازر أو الاغتصابات الجماعية»، تخبرنا كيف أصبح هاجسها الأول حماية ابنها من البراميل المتفجرة، ومن ثم المآسي التي عاشتها عندما قررت الذهاب من إدلب إلى تركيا عبر خطوط التهريب، وما قابلته من عنصرية في تركيا. الآن هدفها تطوير قدراتها لتستطيع الوصول إلى جنيف للمساهمة في محاكمة النظام السوري. 

تكشف شهادات النساء في عدالة المكان عن دورهنّ في الاحتجاجات الشعبية، وفترات الحصار المتقطعة والطويلة، والمخاطر التي واجهنَها بعد التهجير القسري. جميعهن لعبنَ أدواراً فاعلة بطريقة أو أخرى، لكن هذا الدور أخذ بالانحسار بشكل تدريجي مع التحوّل الكبير في موازين القوى. كما تكشف الشهادات كيف أن هذا التحوّل أثّرَ على شخصياتهنَّ جميعاً وجعلهنّ يخترنَ طُرقاً أخرى غير تلك التي كنّ يخططن لها في المستقبل، إذ أنهن رغم كل الصعاب والمآسي التي واجهنَها استطعنَ أن يُعِدنَ بناء حياتهنّ من جديد، على أمل أن تتحقق العدالة التي يبحثنَ عنها في يوم ما. 

يمكن للراغبات والراغبين تحميل الكتاب من خلال الضغط هنا.