لم يخطر ببال إبراهيم العظم، الشاب السوري، المولود في دمشق في 7 كانون الثاني (يناير) من عام 1924، أن آلافاً من مواطنيه السوريين سيصلون ذات يوم إلى هولندا، الأرض التي مات دفاعاً عنها. غير أنهم لن يصلوا مقاتلين كما فعل هو في خضَّم الحرب العالمية الثانية، بل لاجئين باحثين عن الأمان؛ نتيجة حرب، باتت أقرب إلى الحرب الأهلية، وقعت في بلده الأم.
قضى العظم، قبل أن يرحل، أياماً قليلة في أعلى شمال هولندا بالقرب من الحدود الألمانية، حيث وصل إليها مع مجموعة من المقاتلين العرب والفرنسيين، إثر إنزال مظلي لقوات الحلفاء، لدعم قواتها الأخرى التي كانت تقاتل ضد الألمان.
أهملته بلده الأم (سوريا) وغيَّبته سجلاتها الرسمية، وتركته مكتوم الميلاد لفترة طويلة. أما هولندا فمنحته وساماً خاصاً بالمقاتلين الأجانب الذين شاركوا في تحرير البلاد من قبضة الألمان. ومن ثم عادت للاحتفال به ثانية، قبل ثلاث سنوات، بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاماً على وفاته. فأقيم له قُدّاس، وصُنع فيلم قصير عنه، وغدت أيام إبراهيم العظم الهولندية المعدودة جزءاً من كتاب ألّفه جنرال شارك في الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد الإفراج عن يوميات الجنود المشاركين بالحرب من قبل الأرشيف البريطاني الحكومي.
*****
موجةُ اللجوء السوري الكبير إلى هولندا أعادت الحياة إلى «قبر إبراهيم العظم»، الذي يقع في المقبرة العسكرية في مدينة «كابيلا» بالقرب من الحدود البلجيكية الهولندية، إذ تحوّلَ من مساحة تضم رُفاة شخص متوفى إلى أيقونة، بالمفهوم الإيجابي، خاصة لدى الهولنديين المدافعين عن حق الهاربين من مناطق الصراع باللجوء. وبات أولئك «الإنسانيون» يُشهرون تلك الأيقونة في وجه اليمين المتطرف. وفي الوقت نفسه؛ صار القبر علامة انتماء إلى هذه البلد عند اللاجئين السوريين، سيما لدى المتقدمين في العمر الباحثين عن مسارات تخفف مشاعر الاغتراب، ولا تتمحور كما لدى جيل الشباب حول فرص العمل والدراسة وإمكانيات بناء حياة جديدة.
نقف نحن اللاجئين السوريين، قبل أن نصبح مواطنين هولنديين وبعد أن أصبحنا، أمام قبر إبراهيم العظم، كما كانت تقف أمهاتنا أمام قبور المتصوفين والأولياء، نسلم عليه، ونأمل منه أن يكون صلة وصل، ليس مع الإله هذه المرة، بل مع الهولنديين الشُقر، لنقول: نحن هنا على هذه الأرض منذ زمن ولم نأتكم لاجئين فحسب! بل أتينا مدافعين عن أرضكم ذات يوم. وهكذا غدت سيرة الشاب إبراهيم العظم، دون أن يقصد أو يتوقع، إحدى الحالات الرمزية التي تمدّ عرى المشتركات بين اللاجئين السوريين وهذا البلد الجديد. فعلّق عدد منهم صورته في مداخل بيوتهم، وجعلوها خلفية لهواتفهم المحمولة وأخبروا عنه الإعلام، وبالغوا في الاحتفال به.
قبل شهور قليلة، سألت رئيسة بلدية هولندية مواطناً سورياً بعد أن أقسم يمين الحصول على الجنسية الهولندية: هل تفكر بالعودة إلى بلدك الأم؟ التفت يمنة ويسرة، وأجاب: أنا الآن منشغل بالبحث عن عائلة إبراهيم العظم الذي قُتل هنا يوماً.
*****
ما الذي جاء بك يا إبراهيم إلى هذه الأرض؟ تقول الكتب المعنية أن المظلي السوري كان جزءاً من «عملية آمهرست» التي نفذتها القوات الفرنسية بالتنسيق مع قوات الحلفاء كجزء من المشاهد الأخيرة في الحرب العالمية الثانية، في 7 و8 نيسان (أبريل) عام 1945 (وتسمى هنا النورماندي الهولندية).
اقتضت العملية نشر سبعمائة مظلي فرنسي في الخطوط الخلفية للألمان، من بينهم الشاب السوري إبراهيم العظم. لكن سوء الأحوال الجوية انتهى بنصفهم تقريباً على بعد عدة كيلومترات من المكان الافتراضي للهبوط. أصيب حوالي 12 مظلياً بالكسور نتيجة وقوعهم في حفر صغيرة. قُتل ثلاثة وثلاثون، وجُرح ستون، وأُسِر ثمانية وستون، وتم الإبلاغ عن ثمانية وعشرين مفقوداً.
رافق تلك العملية صراعات محلية بين الهولنديين الموالين لألمانيا والهولنديين الموالين للحلفاء، كما تروي الكتب التي تحدّثت عن العملية، لأن أحد أهداف تلك العملية كان استهداف المقر الألماني في مدينة درنته الهولندية الذي يضم نحو خمسين جندياً. وقد دمَّرت القوات الألمانية، خلال هذه العملية، نحو مئة وأربعين جسراً، كي لا يستعملها الحلفاء في حال وصلوا إلى تلك المنطقة. وقتلت، بناء على وشاية متعاونين هولنديين، عدداً من الهولنديين المدنيين للاشتباه بأنهم ساعدوا مظليّي عملية آمهرست، أو قدموا لهم معلومات استخباراتية.
استغرقت عملية آمهرست اثنين وسبعين ساعة، إذ كان من المقرر أن يصل الجنود الكنديون إلى الجنود الفرنسيين ويتعاونون معاً لتحرير المنطقة نهائياً من الألمان. هدفَ قائد الحملة «كالفرت» إلى تضليل القيادة العليا الألمانية، من خلال جعلهم يعتقدون أنها عملية أكبر بكثير مما ستكون عليه في الواقع. ولهذا السبب، تم توزيع الجنود على منطقة واسعة جغرافياً، في منطقة الحدود الهولندية الألمانية. ولم يطلب من المظليين دفن المظلات بعد الهبوط أو إخفاءها، كما هو الحال في العمليات الأخرى، بل كان لا بد من تركها ملقاة حول المظليين؛ مما قد يساهم في تأكيد فكرة أن الأمر يتعلق بعملية واسعة النطاق. وإلى جانب ذلك تم إسقاط عدد من الدمى؛ لزيادة تضليل الألمان وإرباكهم. وقامت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وراديو أورانج (محطة البث الهولندية من لندن أثناء الحرب) بالإعلان في يوم الهجوم عن حدوث عملية إسقاط واسعة النطاق في شمال هولندا.
تبقى عملية آمهرست مُحيّرة من حيث توقيتها وطريقتها. ففي وقت كانت معظم قوات الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية تميل إلى تجنب المخاطر، بدا أن الكتيبتين الفرنسيتين المشاركتين في العملية قد سلكتا مسلكاً خطيراً؛ بتخطيط من القادة، وحماس المشاركين، الذين أرادوا إثبات أنفسهم وإظهار سبب وجود هذا النوع من الوحدات المتخصصة وفاءً لشعارهم العسكري المكرَّس «من يجرؤ يَفُز»، وذلك وفقاً للتقييمات العسكرية التي ذكرها الكتابان اللّذان تناولا العملية. وتختلف الآراء حول نجاحات المظليين الفرنسيين في تلك العملية. فهناك من رأى أن نشر كتيبتيْن من القوات الجوية الخاصة قد ساهم كثيراً في تقدم الحلفاء السريع. فيما رأى آخرون أنها لم تُسرِّع من تحرير شمال هولندا على الرغم من أن الألمان قد هُزموا في نهاية المطاف.
وعلى أي حال، فقد تم التأكيد من قبل القيادة الهولندية على أن المظليين الفرنسيين يستحقون الشكر والتقدير الهولنديَين الدائمين. وقد أثنى شارل ديغول نفسه على وحدات المظليين هذه، بالكلمات التالية: أنظرُ إلى الأرض دون خجل. وقد تم توثيق حياة المشاركين في تلك العملية عند الجهات المعنية، وتشير المعلومات المتعلقة بإبراهيم العظم «المستقاة من الجهات الفرنسية» إلى أنه من مواليد 7 كانون الثاني (يناير) عام 1924، وأنه توفي في 10 نيسان (أبريل) عام 1945 في درنته شمال هولندا، ودُفن في مقبرة الحرب الفرنسية في كابيلا في جنوب هولندا. وتُحدد الوثيقة موقع قبره بالضبط وجنسيته السورية (الجمهورية الأولى) وأنه كان في السرب الأول من الجيش الفرنسي، وتُثبت تلك الوثائق حصوله على الصليب البرونزي من خلال المرسوم الملكي رقم خمسة عشر وكان في رتبة مظلي طيار، وقد تميز «بسلوك شجاع ضد العدو، من خلال هبوطه بالمظلة في درنته، وشارك في القتال ببسالة مما أدى إلى مقتله في نهاية الأمر».
لم يقبل إبراهيم العظم أن يحترق في المكان الذي اختبأ فيه خوفاً، بانتظار أن يجتمع مع رفاقه الذين ضيَّعهم الضباب والطقس السيء؛ بل واجه أعداءه بالقتال حتى الموت، وفقاً لرواية الجندي الفرنسي الذي نجا من المعركة، والتي ثبّتها العقيد هارولد دي يونغ والكاتب روجر فلامند في كتابيْهما عن العملية الفرنسية في درنته: عملية آمهرست. لم يحترق كشأن الفرنسيين الآخرين الذين بقوا في المستودع، بل خرج إلى الشارع مع رفيقين آخرين، على أمل الاجتماع مع الجنود الآخرين لإتمام مقتضيات العملية العسكرية، كي لا يتضرر أصحاب البيت الذي آواهم لساعات. واجه مصيره و«استشهد»، لن نقول «قُتل» كما تفعل اللغة الهولندية التي لا تحبذ المعيار بل تميل إلى التوصيف. حسناً فعل «إبراهيمنا» ذلك، وإلا كنا رجمناه بيقيننا، الذي يقتضي الحرب حتى آخر قطرة دم.
وتحتفظ مؤسسة War Graves Foundation الهولندية بمُلكية قبر إبراهيم العظم وزملائه، أما سبب حرصها في المحافظة عليه (كما تقول في وثائقها) «حتى يدرك الأطفال الهولنديون أن هناك أشخاصاً من جزء مختلف تماماً من العالم، ساهموا في تحرير بلدهم، وأن على الهولنديين أن يساهموا في حرية الآخرين في كل مكان في العالم مثلما أسهم أولئك في حرية الهولنديين».
*****
على الرغم من أن المناهج الدراسية في هولندا تعتمد اعتماداً كلياً على تنمية مهارات التعلُّم الذاتي، إلا أن أطفالي لا يحرمونني من فرصة أن أكون أباً مُوجِّهاً لهم، يتابع تفاصيل دراستهم، ويستذكر عمله الأساسي بالتعليم، لذلك لم أحترْ في إجابة ابنتي، حين سألتني عن اسم «شخصية» يمكن أن تكتب عنها مقالاً كجزء من الواجب المدرسي. أجبتها دون أدنى تردّد: اكتبي عن القائد الخالد حافظ الأسد ومنجزاته التاريخية، لا توجد شخصية أعظم منه.
ابتسمتْ ابنتي، ونبَّهتني إلى أننا نعيش في هولندا!
دون تخطيط مسبق، جاءني في اليوم نفسه بريد إلكتروني من منظمة معنية بالاحتفال بمرور خمسة وسبعين عاماً على رحيل إبراهيم العظم، تسألني عن كيفية نطق اسم العظم (Asem/Azem) لأنه يرد بكلا الصيغتيْن في الوثائق الهولندية، وما إذا كان لدي وقت لأدرّبهم على النطق الصحيح لاسمه. كنتُ قد تواصلتُ مع تلك المنظمة مسبقاً فيما يخص استعادة إبراهيم العظم سورياً، وتبادلنا الوثائق حول شخصيته. كانت ابنتي ذاتها التي رفضت الكتابة عن القائد الخالد، تُساعدني في قراءة الإيميلات الهولندية. سألتني مُحتجّة: لِمَ لم تقل لي أن أكتب عن إبراهيم العظم!
كيف يمكن تقريب حرف الظاء للهولنديين؟ لا تثريب عليهم إنْ لم يعرفوا نطقه، ذلك أن الكثير من أبناء اللغة العربية لديهم لهجاتهم. شخصياً سجلتُ في جامعة دمشق عام 1978، قادماً من محافظة في شرق سوريا لا تعرف حرف الضاد، بل تنطق كل ضاد ظاء. وقد صحَّحَ لي النطق أستاذي الدكتور محمد رضوان الداية. لاحقاً، دربتني على نطقه الصحيح صبيّة تَعلَّقَ قلبي بها وبطريقة نطقها لحرف الضاد، وكنت أقف مشدوهاً أمام حركة فمها وقدرة لسانها العجيبة على التفريق بين حرفي الضاد والظاء حين يرتفع ليلامس ما خلف أسنانها الألماسية العليا، في حين تعضُّ عليه أسفل وسطه بالفك السفلي حين تنطق حرف الظاء.
استجابة لنداء المنظمة الهولندية، ورغبة مني لأقول للهولنديين: نحن هنا قبل لعنة اللجوء! أطلقتُ عبر الفيسبوك نداء أحاول التعرُّف من خلاله على عائلة إبراهيم العظم، وما هي إلا أيام حتى تواصل معي شخص يحمل الاسم ذاته وهو ابن عم إبراهيمنا الهولندي، وقد حَدثتُهُ عن مُنقذنا. وحكى لي الرجل أن والدة إبراهيم كانت تحصلُ على راتب تقاعدي من وزارة الدفاع الفرنسية. طلبتُ من الرجل أن يزوّدني بإخراج قيد لإبراهيم العظم، وفعل عن طيب خاطر. وقد قدّمتُ لاحقاً، بمعية المنظمة الهولندية المعنية بضحايا الحرب العالمية الثانية، طلباً لوزارة الدفاع (بعد سؤال إبراهيم العظم ابن العم) أشرحُ فيه الأوضاع في سوريا وظروف أقاربه، إذ ربما يكون لديهم رغبة في اللجوء، فيساعد كون إبراهيم قد استشهد على الأرض الهولندية وحصل على أحد أوسمتها في استقدامهم إلى هولندا، في حال رغبوا، عبر نظام الفيزا، بعيداً عن أوجاع التهريب.
*****
أنْ تكون مُهمَلاً في بلدك الأم ليس شيئاً سلبياً دائماً، ربما لو تمّ الانتباه لقصة إبراهيم العظم؛ كان سيُصَنَّف خائناً بمفاهيم الوطنية التي يفرضها في المشهد السوري النظام السياسي الحاكم. هناك دول وشعوب تكرِّس جلّ وقتها لمواجهة ما سيأتي. ودول مُنشغلة بما مضى! هناك دول تنبش في تاريخها، تستعيد مُضيئه، تستذكر اللجوء لتقول للمتطرفين: هؤلاء كانوا معنا! تعيد قراءة تاريخها لغربلة «القمح من الزيوان» ولا يضيرها أن تعتذر عن تاريخها المظلم وأخطائها.
وهناك دول تبني مستقبلها بالنبش في الماضي لتبقى فيه هناك، وتُحيي ثاراته، ممّا يستدعي السؤال عن أي نوع من المستقبل ذلك الذي ينتظر أبناءها وهم يقضون معظم أعمارهم بالالتفات إلى الخلف!
في أدبيات الثقافة الغربية المهتمة بالحرب العالمية الثانية، شاعت لفترة طويلة «الرواية الإسرائيلية» حول أن الموقف العربي كان مؤيداً لهتلر بشكل كلي. لكن حقل التأليف عن مشاركة العرب في الحرب بدأ يأخذ اهتماماً أكبر في السنوات الأخيرة وبات باستطاعة القُرّاء العرب القراءة عن الموضوع من خلال كتب كتبها مؤرخون غربيون، ولا ندري هل استطاع هؤلاء الابتعاد عن الصورة النمطية للعرب في الثقافة الغربية تماماً أم لا. كما تختلف المعطيات من باحث لآخر حسب الدولة العربية التي اختار التركيز عليها، ففي حالة المغرب على سبيل المثال، شارك الجنود المغاربة بكثافة في الحرب إلى جانب الحلفاء وبتوجيه مباشر من الملك المغربي الذي طالب شعبه بالتطوع، أما في مساهمات دول أخرى كمصر والسودان وسوريا وفلسطين، فتبدو الصورة أكثر تنوعاً على صعيد الدوافع سواء بين الحكومات أو الأفراد.
ومن الأسئلة الملفتة: هل كانت مشاركة الجنود العرب في الحرب العالمية الثانية نتيجة إجبار من سلطات الأمر الواقع (أي الحكومات المحلية أو سلطات الانتداب) أم أن من شارك من أفراد شارك عن قناعة؟ أو بهدف دعم أهله مادياً لعدم وجود فرص عمل. ولا تغيب في هذا السياق عن البال صورة «السفر برلك العثماني» وما رواه الأجداد للأحفاد عن القسر والترهيب لمن لا يشارك السلطة الحاضرة خياراتها ومعاركها!
*****
يُشير العقيد هارولد دي يونج في كتابه إلى إبراهيم العظم بالقول: أكثر ما يمسّني هو أن مثل هذا الصبي، يموت بعيداً عن منزله، من أجل تحرير أناس لا يعرفهم، في مكان غريب تماماً عنه. ربما تساءل مواطنوه: لماذا بحق الجحيم نذهب إلى أوروبا للقتال هناك؟ لدينا مشاكل كافية هنا في سوريا، هل تعرف ما هي هذه الحرب لتشارك فيها؟ كان والدا إبراهيم يأملان بلا شك في أن يكبر ابنهما في سلام ورخاء، قد يكون الأمر يكمن في أنهم اعتقدوا أن الجيش الفرنسي قدّمَ منظوراً لمستقبل أفضل وتعليم جيد لابنهم ووظيفة دائمة، ودخلٍ جيد، وربما اعتقدوا أنهم يساهمون في السلام والنظام في سوريا. لذلك لم يُمانعوا في أن يلتحق ابنهم البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً بالجيش الفرنسي، وأن يتم تدريبه كمظلي، ليطير مثل الطيور، ليذهب إلى أوروبا بعد ذلك، حيث ودعه والداه بالدموع، ليعلموا لاحقاً أن ابنهم مات في هولندا البعيدة جداً عن مكان سكنهم.
وقد تمّ إدراج النصب التذكاري لإبراهيم العظم ورفاقه في مدينة أسن كجزء من رحلة المشي الهولندية، وكذلك المقبرة التي تضم رُفاته؛ في إطار تجديد الاحتفال بضحايا الحرب العالمية الثانية، كي يتذكر المارّون بهذه النُصُب التذكارية أن هناك من ضحى بنفسه في سبيل هولندا دون أن يكون أحد مواطنيها.
وأثناء عرض كتاب العملية الفرنسية في درنته The French Paras in Drenthe لهارولد دي يونج في الاحتفالية التي جرت قبل ثلاث سنوات بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعون للعملية، أنشدت فرقة The Serenade Sisters أغنية قدّاس مجيد لإبراهيم العظم بعنوان Requiem Azm، وتم تقديمها على المسرح، وقد لامست تلك الأنشودة العديد من الحاضرين، لأن بعضهم كان مشاركاً في تلك العملية بشكل مباشر أو غير مباشر، إضافة إلى حضور لاجئين سوريين لم يعرفوا إبراهيم العظم مباشرة لكن جمعهم به الانتماء للبلد الأم سوريا.
ومما ورد في الأنشودة/القداس الخاصة بالمظلي السوري إبراهيم العظم:
كان يوم العاشر من أبريل، يوماً ربيعياً
لم يكن يعرف أين تقع (درنته)
قاتل هنا ببساطة بناءً على رغبته
كرهَ جحيم الحرب هذا
أراد أن تكون دمشق الحرية
ولم يكن يعرف حتى ما هي الحرية
كان خائفاً.
إبراهيم العظم البطل
كان مظلياً سورياً
اضطُرَ إلى أن ينضم إلى الجيش الفرنسي
نظام العفن الاستعماري.
الحرب جلبتك إلى هنا يا إبراهيم
قاتلَ هنا ببساطة بناءً على رغبته
كره جحيم الحرب هذا
أراد أن تكون دمشق الحرية
وكان خائفاً
أراد العودة إلى منزله، ولم يُرِد أن يموت
السوري إبراهيم العظم: ذِكرُ اسمه علامة!