شهد المركز الثقافي في إدلب افتتاح الدورة الثالثة من معرض الكِتاب الذي تنظّمه «دار الثقافة والمعارف» التابعة لإدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ، والتي تتبعُ بدورها لهيئة تحرير الشام. امتدَّ المعرضُ الذي حمل اسم «القراءة تجمعنا» منذ الخامس من أيلول (سبتمبر) الجاري وحتى الرابع عشر منه. وحضر حفل الافتتاح شخصيات من هيئة تحرير الشام وأخرى مقرّبة منها، كان على رأسهم قائد الهيئة أبو محمد الجولاني وعمداء وأساتذة من جامعات إدلب العامة والخاصة.

وفي حفل الافتتاح، ألقى الجولاني كلمةً قال فيها إن الشمال السوري «استطاع بناء بيئة قابلة للحياة»، في حين دعا رئيس حكومة الإنقاذ محمد البشير في كلمته إلى أن يكون الجميع «على قدر المسؤولية رغم ظروف الحرب وقلة الموارد حتى يكتمل مشروع الثورة بنشر العلم والثقافة».

فعاليات المعرض

عُرضت في حفل الافتتاح أنشودة عن العِلم ومسرحية «ثورية» كما أُطلق عليها، سلّطت الضوء على «الواقع المعيشي للسكان في المخيمات». وبعد الافتتاح قُدّمت مسرحية بعنوان «من إدلب إلى غزة» شاركت فيها طفلة فلسطينية من مدينة عكا ومجموعة من أطفال إدلب، ثم على مدار أيام قُدّمت ندوات في المركز وأخرى عبر الإنترنت لمُشاركين من خارج سوريا، فضلاً عن أمسيات شعرية وتوقيع عدد من الكتب. ونُظّمت أيضاً عدد من المسابقات التي ترعاها مؤسسات تابعة لهيئة تحرير الشام مثل شركة زاجل للنقل وشركة سيريا فوت.

وشارك في المعرض مكتبات ودور نشر مغمورة من داخل وخارج سوريا، منها: مكتبة دار ابن عطية، ومكتبة الأسرة العربية، و دار نقش للطباعة والنشر والتوزيع، وأتاح المعرض لهواة جمع النوادر عرضَ ما لديهم من نحاسيات ومقتنيات قديمة وسيوف وغير ذلك.

شاركت الفنانة التشكيلية يافا دياب عبر لوحتين حملت إحداهما اسم «المعتقل» أرادت من خلالها توجيه رسالة للعالم حتى لا ينسى المعتقلين، والثانية سمّتها «عين الثورة».

كما شاركت أيضاً الفنانة رزان قاسم، وهي طالبة في كلية الطب البشري، بلوحة بعنوان «من الموت إلى المجهول». ومن الفنانات المشاركات أيضاً حور البديوي، الطالبة في معهد الإدارة والاقتصاد، التي عرضت متجر شموع بأشكال وأحجام مختلفة.

وشاركت أيضاً جنى حبوش، وهي شابة لديها مشروع لإعادة الكتب بمقابل مالي قليل لا يتجاوز 30 ليرة تركية.

رأي الحضور بالمعرض

لم تسجَّل إحصائيات «رسمية» لعدد الزوار في يوم الافتتاح، لكن العدد وصل في اليوم الثاني إلى 5400، وكانت الأعداد مقاربة لذلك خلال الأيام التالية بحسب إدارة المعرض. وقوبل المعرض بموجة من الانتقاد بسبب ما وصفه عديدون تحدثنا إليهم بـ«البذخ الواضح ضمن الفعاليات رغم حالة الفقر التي يعيشها أكثرية سكان الشمال السوري»، فضلاً عن عناوين الكتب التي سيطر عليها توجه إيديولوجي واضح أفقدها التنوع. في حين رأى قسمٌ آخر أن هذا المعرض «مهم بسبب افتقار المنطقة لمثل هكذا فعاليات».

أما الشابة آمنة الموسى، وهي طالبة إرشاد نفسي حضرت المعرض، فقالت إن موقعه هذا العام وسط مدينة إدلب ساعد الكثيرين على زيارته بخلاف الدورتين السابقتين، حيث كان في أحد المقاهي البعيدة عن مركز المدينة، مشيرةً إلى أن أكثر ما لفتها في المعرض هو «لوحات الخط العربي، والرسم، ومعرض فلسطين»، لكنها اشتكت من «ارتفاع أسعار الكتب التي يتعذر على معظم الناس تأمينها، فكيف يمكن لعامل يتقاضى 100 ليرة تركية يومياً لا تكفيه لتأمين حاجاته الأساسية أن يشتري كتاباً سعرة 300 ليرة تركية».

من جهته، يقول محمد الصالح، العامل في قسم الخدمات الإعلامية  في معرض الكتاب، أن المعرض ضمّ عدة أركان عدا الكتب، وهي: ركن السيوف، والركن التراثي، والركن الثقافي، وركن الرسم، وركن فلسطين، وركن الخط العربي، فضلاً عن مشاركة 44 مكتبة عرضت 150 ألف كتاب لـ17 ألف عنوان. ويرى الصالح أنه «على الرغم من التكلفة الباهظة للمعرض»، والتي لم يحدد مقدارها، إلا أن الهدف الأساسي كان برأيه «عكس صورة جميلة عن إدلب».

معرض ترويجي لهيئة تحرير الشام

يتساءل الكاتب السوري حسام جزماتي خلال حديثنا معه: «لماذا افتتح قائد هيئة تحرير الشام المعرض مع أن الحدث ثقافي؟ ولماذا برعاية الشؤون السياسية، ومَن المسؤولون عن الكتلة التي يرأسها زيد العطار المُنظّم لكل شيء في المعرض، والمعروف بحبّه للترف والجماليات في عمله أكثر من المضمون لكنه لا يظهر على الإعلام؟ لا سيما أنه مالك كافيه كتاب الذي أقيم فيه المعرض العام الماضي، وأيضاً هو مالك دار نقش للنشر المُشاركة في المعرض».

ويرى جزماتي أن ظهور الجولاني هو «ترويج لمشروع هيئة تحرير الشام خلال وقت السلم، وذلك بهدف إبراز قدرته ومجموعته على إنشاء دولة أو شبه دولة، وأيضاً تسليط الضوء على أي شيء ينتجه، وأهم من ذلك تقديم صورة جميلة عن المجتمع السوري للخارج، سعياً من الجولاني ومجموعته اللصيقة لإزالة التصنيف الإرهابي عنهم».

ويضيف جزماتي أن تحرير الشام «تظن أنها كلما ورّطت أناساً أكثر من خارج سوريا للمشاركة في المعرض، فإن مشروعها سينجح بشكل أفضل». أما عن الكتب المتواجدة في المعرض، يقول جزماتي: «الكتب القادمة من تركيا متعلقة بالتراث الإسلامي وبعض الروايات، أما الكتب التي شاركت بها المكاتب من داخل إدلب، مثل مكتبة نقش التي طبعت 100 كتاب، فمستواها متواضع».

أما بالنسبة للندوات الثقافية والأدبية، فيشير جزماتي إلى أن «ضيوف حلقات الصالون الثقافي الذي يقدمه موفق زيدان بائسون، وأيضاً الأمسيات الشعرية التي كان الشعر فيها حماسياً ومكروراً، لقد كان هناك ضحالة في كل شيء، وغاب الاهتمام بالعمق. بالمحصلة كان هناك خداع لعموم الناس وبعض الضيوف أيضاً».

الهدف الأساسي من المعرض، كما يخبرنا جزماتي، هو «التغطية والاهتمام بالشكل فقط وتغطية الجوانب الشكلية والترويج لشرعية الهيئة، وأيضا التعتيم على المظاهرات والانتهاكات التي تحدث في إدلب»، مضيفاً أنه «كان يمكن مراعاة الوضع الاقتصادي لأهالي المنطقة والاقتصاد في مصاريف المعرض، وأن يكون أقل بهرجة وألا يقوموا بنشاط مختلف عن واقع حياتهم».

يختتم جزماتي حديثه معنا بالقول: «ما حصل في معرض كتاب إدلب هو الشيء ذاته الذي يحصل في دار الأوبرا في دمشق: البلد في خراب وهناك فئة مُحدّدة تحضر الفعاليات وتُظهر للعالم كم دمشق بخير!».